الجهوية



تعتبر الجهة حلقة أساسية في طريق استكمال الصرح المؤسساتي بالمملكة المغربية باعتبارها هيئة تمكن ممثلي السكان من التداول في إطارها بكيفية ديموقراطية في شأن المشاريع الاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى التنمية الجهوية المندمجة. وقد مرت فكرة الجهوية بالمغرب عبر مراحل متعددة.هكذا، فبعد خضوعها للتجربة في إطار ظهير 16 يونيو 1971 المتعلق بإحداث المناطق الاقتصادية، تم الارتقاء بالجهة إلى مستوى الجماعة المحلية بمقتضى الدستور المراجع لسنة 1992 . ثم تدعم مرآز الجهة أآثر في الدستور المراجع لسنة 1996 بإحداث الغرفة الثانية (مجلس المستشارين) التي تضم من بين أعضائها 147 الذي أضفى عليها / مستشارين منتخبين على مستوى الجهات وأخيرا بصدور القانون رقم 96 الشخصية المعنوية ونظم تشكيل و تسيير مجالسها و اختصاصاتها و أيضا مجالات وصاية الدولة عليها وصدور القانون رقم 96/47 الخاص بتنظيم الجهات .

ولقد تولى هذا القانون بيان كيفية تسيير مجالس الجهات وما تتمتع به من اختصاصات وما تخضع له من وصاية فضلا عن تحديد مصادر تمويل الجهة باستثناء الكيفية المتبعة في انتخابها التي تولى قانون الانتخابات المعدل بيانها .

المطلب الأول:اختصاصات الجهة

لقد أصبحت الجهة بموجب ظهير التنظيم الجهوي لسنة 1997 تتوفر لأول مرة على اختصاصات وصلاحيات في مجال التنمية الجهوية على خلاف ما كان عليه الامر في ظهير 16 يونيو 1971 حيث كان دورها استشاريا فقط يتمثل في تقديم الاستشارة بخصوص بعض القضايا الاقتصادية التي تعرض عليها .

ويمكن التمييز داخل هذه الاختصاصات بين الاختصاصات التي يمارسها المجلس الجهوي ( فقرة أولى) واختصاصات مسندة لرئيس الجهة ( فقرة ثانية) واختصاصات يقوم بها عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة ( فقرة ثالثة )

فقرة أولى : اختصاصات المجلس الجهوي

أقر القانون رقم 96 –46 الخاص بتنظيم الجهات طبيعة ثلاثية في الاختصاصات (ذاتية ومنقولة أو محولة واستشارية) المنوطة بالمجالس الجهوية.

الاختصاصات الذاتية

يختص المجلس الجهوي من حيث المبدأ او وفقا للمادة السادسة من القانون الخاص بتنظيم الجهات بالبث في مختلف قضايا الجهة، ويقر لهذه الغاية التدابير الواجب اتخاذها لضمان تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية [13].

وإلى جانب هذا الاختصاص العام فقد اعترفت المادة السابعة من نفس القانون بعد من الاختصاصات المحددة للجهة على سبيل الحصر والتي تتحدد في :

1-دراسة الميزانية الجهوية والتصويت عليها ، وأيضا دراسة الحساب الإداري والمصادقة عليه

2-إعداد مخطط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهة، وفق التوجيهات والأهداف المعتمدة في المخطط الوطني

3-إعداد التصميم الجهوي لتهيئة التراب وفقا للتوجيهات والأهداف المعتمدة على المستوى الوطني

4-تحديد كيفية وضع أساس الرسوم والوجيبات ومختلف الحقوق المحصلة لفائدة الجهة وتحديد تعريفاتها وقواعد تحصيلها

5- القيام بالأعمال اللازمة لإنعاش الاستثمارات الخاصة وتشجيعها

6-البث في شأن مساهمة الجهة في مقاولات الاقتصاد المختلط ذات الفائدة الجهوية او المشتركة بين الجهات

7-اعتماد التدابير المتعلقة بالتكوين المهني

8-القيام بالأعمال اللازمة لإنعاش الرياضة

9-اعتماد التدابير الرامية إلى حماية البيئة للجهة

10- اتخاذ الإجراءات الرامية إلى عقلنة تدبير الموارد المائية

11-اعتماد التدابير المتعلقة بإنعاش ومساندة كل عمل من أعمال التضامن الاجتماعي وكل تدبير ذي طابع إنساني

12-الحفاظ على الخصائص المعمارية الجهوية وإنعاشها

هذا ويمكن تجميع مختلف هذه الاختصاصات في ثلاث مهام ووظائف أساسية وهي : وظيفة التخطيط وإعداد التراب من خلال مساهمتها في إعداد التصميم الجهوي للتهيئة العمرانية ، الوظيفة الثانية وظيفة التنمية الاقتصادية وهذه الوظيفة تعتمد المساهمة المباشرة للجهة مع الدولة وإنجاز التجهيزات اللازمة لكل تنمية محلية وإقامة وتنظيم المناطق الصناعية، أما الوظيفة الثالثة فهي وظيفة التنمية الاجتماعية والثقافية ويتأتى من خلال إنعاش التشغيل والرياضة والأنشطة الاجتماعية والثقافية وأيضا إنعاش ومساندة كل عمل من أعمال التضامن الاجتماعي وكل تدبير إنساني.

الاختصاصات المنقولة او المحولة

علاوة على الاختصاصات الخاصة فقد نصت المادة الثامنة من قانون تنظيم الجهات على صنف آخر من الاختصاصات المعترف بها للمجلس الجهوي وهي الاختصاصات المحولة من الدولة إلى الجهة ويمكن حصرها في المجالات التالية :

1-إقامة وصيانة المستشفيات والثانويات والمؤسسات الجامعية وتوزيع المنح الدراسية وفق التوجيهات المعتمدة من لدن الدولة في هذا المجال

2-تكوين أعوان وأطر الجماعات المحلية 3- توفير التجهيزات ذات الفائدة الجهوية.

وقد قرن القانون ممارسة الجهة لهذه الاختصاصات بضرورة تحويل الموارد المالية المطابقة لتنفيذها

هذا وتجدر الإشارة إلى أن ممارسة المجلس الجهوي للاختصاصات المخولة من طرف الدولة يدخل ضمن استراتيجية تنموية محلية تستجيب لثلاثة أسباب موضوعية [14]

-الشروع في مرحلة جديدة من اللامركزية عن طريق الارتقاء بالجماعة المحلية نحو أعلى مستويات المسؤولية

-التخفيف من أعباء ذات الصبغة المحلية والملقاة على كاهل الدولة والتي يمكن للجماعات المحلية أن تتكلف بها

-ضمان أجود الخدمات بأقل تكلفة مع مراعاة المصلحة العامة.

مطلب ثاني : الوصاية على المجالس الجهوية

كما هو الشأن بالنسبة لمجالس الجماعات الحضرية والقروية ومجالس الجماعات والأقاليم تخضع المجالس الجهوية لوصاية إدارية من طرف السلطة المركزية يمكن تقسيمها حسب مجالسها إلى وصاية على الأشخاص ( فقرة أولى) ووصاية على الأعمال ( فقرة ثانية )

فقرة أولى : الوصاية على الأشخاص

تمارس هذه الوصاية على ثلاث مستويات : مستوى أعضاء المجلس ( أ) ومستوى الرئيس ونوابه ( ب) ومستوى المجلس ذاته ( ج) .

أ‌- الوصاية على الاعضاء

وتتجلى في قبول الاستقالة الإخبارية المقدمة من طرف أي عضو من أعضاء المجلس الجهوي، وفي الإعلان عن الاستقالة الحكمية في حق هذا العضو وذاك. وهكذا فالاستقالة الاختيارية توجه إلى والي الجهة الذي يرفعها إلى وزير الداخلية ويسري أثرها ابتداءا من تاريخ تبليغها إلى الوالي المذكور [20]. أما الاستقالة الحكمية فتكون في حالتين هما : حالة عدم تلبية أي عضو من الاعضاء للاستدعاءين متتاليين دون سبب يقبله المجلس الجهوي، وحالة امتناعه دون عذر مقبول عن القيام بإحدى المهام المنوطة به بموجب النصوص الجاري بها العمل ويكون الإعلام عن هذا النوع من الاستقالة بموجب قرار معلل يصدره وزير الداخلية بعد السماح للمعني بالأمر بتقديم ايضاحات [21].

ب-الوصاية على الرئيس ونوابه

تتجسد هذه الوصاية في ثلاثة إجراءات تكتسي طابعا جزائيا

الاول في إمكانية توقيف الرئيس ونواب الرئيس لمدة لا تتجاوز شهر واحد بموجب قرار معلل يصدره وزير الداخلية وينشر في الجريدة الرسمية الثاني إمكانية عزل الرئيس والنواب بموجب مرسوم معلل [22]

ويتم توفيق الرئيس ونوابه في حالة تورطهم بأحد الأعمال غير المشروعة ويتم العزل في حالة إدانتهم بارتكاب أحد الأعمال المخالفة للقانون كإدانتهم بتلقي رشوات وعمولات .

وسواء تعلق الأمر بالتوقيف أو العزل فإن الإقدام عليهما يجب أن كون بعد الاستماع إلى المعنيين بالامر أو استدعائهم للإدلاء بإيضاحات كتابية عن الأفعال المنسوبة إليهم [23].

ويمثل الإجراء الثالث في إمكانية حلول والي الجهة، محل رئيس المجلس الجهوي في القيام بالمهام المنوطة به إذا رفض هذا الأخير القيام بالاعمال الواجبة عليه بمقتضى القانون أو امتنع عن القيام بها .

ج-الوصاية على المجلس ذاته

تنصب هذه الوصاية على المجلس بكافة أعضائه وتشمل إجرائين يتمثل أولهما في إمكانية حل المجلس الجهوي بمرسوم معلل ينشر في الجريدة الرسمية وذلك في حالة ما تعذر في الاجتماع الثالث للمجلس التوفر على ثلث الأعضاء المزاولين مهامهم [24] .

ويتمثل الثاني في إمكانية توقيف هذا المجلس إذا فقد النصف او أكثر من أعضائه [25] -في حالة الاستعجال – لمدة لا يتجاوز ثلاثة أشهر بقرار معلل يصدره وزير الداخلية وينشر في الجريدة الرسمية .

وتلافيا للفراغ فقد نص القانون المنظم للجهات على أنه في حالة حل او توقيف مجلس جهوي، أو في حالة ما إذا تعذر تأليفه يقوم وزير الداخلية خلال خمسة عشر يوما التالية ، بتعيين لجنة خاصة تتكون من سبعة أعضاء للقيام بمهام المجلس المذكور إلى أن تقع تتميمه او تأليفه على أن تنحصر سلطتها في الأعمال الإدارية المحضة الاستعجالية

وينص نفس القانون كذلك على أنه كلما وقع حل المجلس الجهوي او توقيفه نتيجة فقدانه النصف أو أكثر من أعضائه يجري انتخاب أعضاء المجلس الجديد في ظرف 60 يوما التالية لتاريخ الحل أو التوقيف ما عدا إدا صادف ذلك الستة أشهر السابقة لتاريخ التجديد العام للمجالس الجهوية .

فقرة ثانية : الوصاية على الأعمال

تتصرف هذه الوصاية إلى مراقبة مدى ملاءمة قرارات المجالس الجهوية عن طريق المصادقة عليها ( أ) ومدى مشروعيتها بالإعلان عن بطلان القرارات غير المشروعة (ب) .

أ‌- المصادقة على القرارات

لقد سمح القانون المنظم للجهات بالمغرب بنوعين من المصادقة يمكن أن تلتجأ إليهما السلطة الوصية المصادقة الصريحة والمصادقة الضمنية .

*المصادقة الصريحة

لقد اعترف قانون التنظيم الجهوي للسلطة المركزية بحق المصادقة على مجموعة من الأعمال والقرارات المنصوص عليها في المادة 41 من قانون الجهة هذه الأعمال التي تمثل في الحقيقة الاختصاصات الرئيسية للمجلس الجهوي والتي تبقى الواقع العملي مرهونة بموافقة السلطة المركزية

ويهم هذا الحق الرقابي المجالات التالية:

- الميزانية الجهوية .

- الاقتراحات .

- فتح حسابات خصوصية .

- فتح اعتمادات او رفع مبالغ اعتمادات مفتوحة .

- قبول الهيبات او الوصايا أو رفعها .

- تحديد أساس الرسوم والأتاوات وقواعد تحصيلها .

- الامتيازات والبيوع والمعاملات والمعاوضات المتعلقة بعقارات الملك الخاص وأعمال تدبير الملك العام.

هذا وقد ألزم المشرع سلطة الوصاية بالمصادقة على هاته القرارات داخل أجل قانوني محدد في 30 يوما من تاريخ تسلمها القرار غير أنه يمكن تحديد الاجل المذكور مرة واحدة ولنفس المدة بمرسوم معلل يتخذ باقتراح وزير الداخلية[26].

وتبلغ الموافقة أو الرفض المعلل إلى رئيس المجلس الجهوي بواسطة والي الجهة مع العلم أنه يبقى من حق وزير الداخلية قبل الرفض أن يطلب من المجلس الجهوي إجراء دراسة جديدة لمسألة سبق له ان تداول بشأنها إذا ظهير له انه من غير الممكن الموافقة على القرار المتعلق بها. كما يبقى بإمكان المجلس الجهوي في حالة رفض الموافقة على قراراته أن يرفع الأمر إلى المحكمة الإدارية المختصة داخل ثمانية أيام من تاريخ توصله بالرفض [27].

*المصادقة الضمنية

تتحقق هذه المصادقة في حالتين: تتمثل الأولى في أحجام سلطة الوصاية عن الموافقة على قرارات المجلس الجهوي الواردة في المادة 41 خلال أجل 30 يوما من تاريخ التوصل بالقرار ، حيث ان عدم صدور أي قرار من طرف تلك السلطات داخل الأجل المشار إليه يعتبر بمثابة مصادقة ضمنية على تلك القرارات وتتمثل الثانية في عدم اعتراض والي الجهة على القرارات الأخرى للمجلس الجهوي، التي لا تتطلب المصادقة الصريحة خلال 20 يوما من تاريخ توصله بها[28] حيث أن انصرام هذا الأجل دون وقوع التعرض يعتبر بمثابة مصادقة ضمنية ويجعل تلك القرارات قابلة للتنفيذ.

ب-الإعلان عن بطلان القرارات

بالإضافة إلى حق المصادقة يتمتع المسؤول الوصائي بحق التعرض على مجموعة من قرارات المجلس الجهوي وإعلان بطلانها ويهم هذا الحق صنفين من القرارات .

*القرارات المتعلقة بموضوع خارج عن نطاق اختصاص المجلس الجهوي او المتخذة خلافا للنصوص التشريعية او التنظيمية الجاري بها العمل وهذه القرارات تعتبر باطلة بحكم القانون. ويعلن عن بطلانها في أي وقت من لدن المحكمة الإدارية بناء على طلب من سلطة الوصاية أو أي طرف يعنيه الأمر .

القرارات التي يشارك في اتخاذه مستشار جهوي بشأن قضية تهمه بصفة شخصية او بصفة نائبا عن غيره والتي تعتبر قابلة للبطلان ويعلن عن بطلانها من طرف المحكمة الإدارية إما بطلب من والي الجهة وإما بطلب من أي شخص يعنيه الأمر [29]

هذا وتجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى هذه الصلاحيات التي تتمتع بها السلطة الوصية في علاقتها الإدارية فإن هناك وصاية يمارسها وزير الداخلية وذلك عن طريق عرض الحساب الإداري للجهة على أنظار المجلس الجهوي للحسابات في حالة تمسك المجلس الجهوي بموقفه الرافض للحساب الإداري .

وباستعراض هذه الآليات الرقابية التي تملكها السلطة المركزية في مواجهة المجلس الجهوي يبرز مدى التقل الوصائي المفروض على الجهات ومدى التأثير الذي تتمتع به السلطات الوصية على قناعات المنتخبين الجهويين من جهة ثانية . هذا في الوقت الذي عملت فيه تشريعات مقارنة على الحد من سلطات الوصاية وتعويضها بالرقابة القضائية من قبل القضاء الإداري والمحاكم المالية حيث قصرت تدخل ممثل الدولة على إحالة القرارات والمداولات التي يراها غير مشروعة على أنظار المحكمة الإدارية كما هو مقرر في التشريع الفرنسي للنظر فيها [30]

مطلب ثالث: التمويل الجهوي

لكي تتمكن الجهة من ممارسة الاختصاصات المنوطة بها في ميدان التنمية الجهوية فإنه لابد ان توفر على نظام مالي خاصة لممارسة هذه الاختصاصات

وبالرجوع إلى ظهير 2 أبريل 1997 الخاص بالتنظيم الجهوي نجد أن المشرع قد خص الجهات بموارد ذاتية للتمويل بالإضافة إلى موارد استثنائية كما أنه نص على إحداث صندوق للموازنة والتنمية الجهوية

 

Post a Comment

أحدث أقدم